الغار الاول .. الحمامة والعنكبوت تقول
الحمامة للعنكبوت أخيةْ تذكرتــِني أم نسيتِ
عشيَّةَ ضاقت عليَّ السماء فقلتِ على الرحب في
الغار بِيتي
وفي
الغار شيخان لا تعلمين حمَيْتِهما يومها أم حميتِ
جنينان إن ينجوا يصبحا أمةً ذات شملٍ جميعٍ شتيتِ
وقومٍ أتوا يطلبونهما تقف الريح عنهمْ من الجبروتِ
قلَّبْتُ عينيَّ في القوم ما بين وجهٍ مقيتٍ ووجهٍ مقيتِ
أتوا فارتعشت فقلت اثبتي تحرزي الخير يا هذه ما حييتِ
فليس بأيدهمُ أن تعيشي وليس بأيديهمُ أن تموتِ
سنحمي الغريب من كلِّ سيفٍ بريش الحمام وأوهى البيوتِ
سنبني المآذن في المشرقين بخيطٍ رفيعٍ وخبزٍ فتيتِ
أنا من أتيتكِ أشكو السماء فصرت أقاسمها بعض قوتي
تقول
الحمامة للعنكبوت أخيةْ تذكرتني أم نسيتي
أخيةُ هل تذكرين الغريبين ما فعلا بعدنا، يا فديت؟
أخيةُ ماذا جرى لهما؟
أترى سـلِـما؟
يا أخيةُ هل تعلمين؟
لقد كان في
الغار وعدٌ بأن السماء ستُنْـثَر مثل أرُزِّ العروس على العالمين
لقد كان في
الغار دنياً من الصين حتى بلاد الفرنجة
أسواقها و ميادينها وقوافلها وعساكرها وصياح المنادينَ
بُسط الجوامع آيُ المصاحف أضرحة الصالحين
نقوش الأواني وشاي الصباح يُعَطَّر بالمريمية والياسمين
أخيةُ ماذا جرى لهما؟
أترى سَلِمَا؟
يا أخيةُ هل تـذكرين؟
غداةَ أناديكِ هل لكِ، هل لكِ
أن نُدْخِلَ
الغار أهلي وأهلكِ؟
فالغار أوسع من كلِّ شيءٍ
هو القدر الدائريُّ الذي كان قبلي وقبلكِ
هل لكِ، هل لكِ؟
ثم انهمكتِ لكي تنسجي للغريبَيْنِ ليلاً حنوناً
يكون من الليل ليلاً بديلاً
وقُـمتُ أنسق عشاً فسيحاً
دعوت إليه الطيور قبيلاً
أخيةُ فلتنظري الآن حولكِ ما تبصرين؟
أخيةُ ماذا جرى لهما؟
أترى سَلِمَا؟
يا أخيةُ ماذا جرى لهما لأرى ما أرى؟
فلقد طُفْتُ ما طُفْتُ تحت السما
لم أجد أحداً منهما
وكأنّهما لم يكونا هنا
لم يحِلَّا ولم يرحلا
يا أخيةُ ضيفاكِ ما فعلا؟
أو لم يصلا للمدينة أم وصلا؟
يا أخيةُ ضيفاكِ ما فعلا؟
أترى بَقِيا صاحبين أم انفصلا؟
يا أخيةُ ضيفاكِ ما فعلا؟
تقول
الحمامة للعنكبوت أخيةْ تذكرتِـني أم نسيتِ؟
لقد طُفْت كالشكِّ كلَّ البلاد وأنتِ هنا كاليقين بقيتِ
فلم أوْتَ علمك مهما علِمتُ ولم أرْقَ يوماً إلى ما رقيتِ
فأنتِ لبُنيانِنَا كالثبات، وأنت لبُرهانِنَا كالثبوتِ
أتيتُكِ أسأل عن صاحبينا فلا تَقْتُليني بهذا السكوتِ
أراك أخيةُ لا تنطقين بأيِّ الدواهي الإناء دهيتِ
ولوذٍ عنودٍ تعود وتفنيك وهي تُـخلَّد إمّا فنيتِ
وأعرف ماضرَّك المشركون ولكن من المؤمنين أتيتِ
تقول
الحمامة للعنكبوت بربِّك يا هذه لا تموتي
تقول
الحمامة لما رأت روح حارسة
الغار فاضت
وقد أصبح
الغار من بعدها طللا
يا أخية ضيفاك ما فعلا؟
ثم قالت تعزَّيْ قليلاً وخلِّ من الدمع ما هملا
ثم ميلي إلى كلِّ طفلٍ وليدٍ
وقصِّي عليه الحكاية، قولي له
في زمانٍ مضى حلَّ في غارنا عربيان وارتحلا