ما هي الكيمياء التطبيقية ؟الكيمياء التطبيقية تغطي مواضيع كثيرة لان هنالك إسهامات متعددة مباشرة و غير مباشرة كنتيجة لتطبيقات الكيمياء. لقد أسهمت التقانة (التكنولوجيا) الكيميائية في مجالات الزراعة ، الأجهزة ، السيارات ، الطائرات ، الاسمنت ، الملابس ، وسائل الاتصالات ، تشييد الأبنية ، مانعات التآكل ، مستحضرات التجميل ، المنظفات ، الصابغات، المتفجرات ، المطاط ،اللدائن (البلاستيك)، الأدوات الالكترونية ، مانعات الحرائق ، السيطرة على البيئة ، التخمر ، الأسمدة ، المواد الحافظة للأطعمة ، معالجة الاغذية ، الأحذية ، الوقود ، الأثاث ، مواد التشحيم ، المنتجات الطبية ، الطاقة النووية ، مثريات الأغذية ، التغليف ، الدهانات ، الورق ، العطور ، المبيدات ، الأدوية ، البولي مرات ،سكك الحديد ، رصف الطرق ، معالجة النفايات ، الصابون ، أدوات الرياضة ، الفولاذ ، الطلاء السطحي ، المنسوجات ، معالجة المياه ، الشموع ...الخ.
هذه القائمة قد تبدو واسعة و لكنها ، في الواقع ، جزئية. بعض البنود قد يجري تدريسها ضمن مواضيع الكيمياء الصناعية على اعتبار أن هذا التخصص يهتم بما يدور في المصانع التي تصنف على أنها كيميائية بحسب تعريف (S.I.C)الامريكي أو التعريف الموسـع للصناعة الكيميائية .
للتوضيح ، سوف أضرب مثالين : لا تصنف الصناعات الغذائية (مثل صناعة معلبات اللحوم و الأسماك) كصناعة كيميائية و لذلك لا تدرس هذا الصناعات في تخصص الكيمياء الصناعية و لكن يمكن تدريسها في تخصص الكيمياء التطبيقية . مثال آخر ، لا يعتبر تصنيع الفولاذ صناعة كيميائية رغم أن الكيمياء لها باع طويل من لحظة استخراج الحديد من خاماته و حتى ينتهي كفولاذ صلب . يمكن لتخصص الكيمياء التطبيقية التوسع في الحديث عن الفولاذ بينما لا يقبل أن يحصل مثل هذا التوسع في تخصص الكيمياء الصناعية في البلدان المتقدمة علميا.
من المؤمل إدراك أن الكيمياء التطبيقية هائلة الاتساع بالمقارنة مع الكيمياء الصناعية التي يمكن أن تطوى تحت أجنحة الكيمياء التطبيقية . لذلك ، ليس من المستغرب أن نجد جامعات في الغرب تمنح الدرجات الجامعية الثلاثة (بكالوريوس، ماجستير ، دكتوراه ) في الكيمياء التطبيقية بتركيز على اتجاهات قد تبدو عجيبة لمن لا يعرف آفاق هذه الكيمياء . أما الدرجات الجامعية في الكيمياء الصناعية فمحصورة في مجالات متوقعة [في الغالب] ، بل إن الممارسة و الخبرة الصناعية أفضل من التعاطي مع هذه الكيمياء في الدوائر الأكاديمية إلا إذا كانت الجامعات لديها مختبرات تحتوي على أدوات صناعية مصغرة (تسمى مختبرات تكنولوجية و هي تختلف عن مختبرات التدريس أو البحث المعتادة).
حين يتم تصميم مساق مبتدئ في الكيمياء الصناعية ، من المنتظر أن يحتوي على مقدمة للتعريف بحدود هذا المجال ومن هي الصناعات التي تعتبر كيميائية و من هم عمالقة الصناعة الكيميائية في هذا العصر و ما الخصائص التي تتميز فيها الصناعة الكيميائية عن غيرها من الصناعات ، و كذلك نبذة عن موقع الصناعات الكيميائية في الاقتصاد المحلي ، ثم النشاطات الأساسية التي تجري في المصانع الكيميائية، و الحسابات المبتدئة في مجال هذه الصناعات ، ثم مقدمة عن المفاعلات الكيميائية و غيرها من الأجهزة الصناعية الهامة ، و وحدات العمليات الفيزيائية الأساسية المستعملة للتنقية و الفصل ، و كيفية رسم و تفسير مخططات العمليات الكيميائية و الفيزيائية وصولا إلى تخطيط المنشأة الصناعية الكيميائية كاملة ، مع تناول صناعة أو صناعتين كنماذج لكل ما تقدم .
أما في الكيمياء التطبيقية فالوضع مختلف ، حيث أن تصميم مساق جامعي حتى لو كان كمدخل في هذه الكيمياء سيكون سطحيا جدا لو جرى التعريف بكل ما ورد في القائمة أعلاه . الأصل أن تكون هنالك موضوعات منتقاة بعناية من تلك المعتبرة محل اهتمام عالمي في الجامعات المتقدمة مثل تطبيقات الكيمياء فيما يتعلق بالطاقة و بدائل الطاقة ، الحفز الكيميائي التطبيقي ، طرق إنتاج بعض الكيميائيات الطليعية(heavy chemicals)[ التي ينتج منها ملايين الأطنان سنويا مثل حمض الكبريتيك ، الامونيا (النشادر) ،حمض الفوسفوريك ، هيدروكسيد الصوديوم ، أكسيد الكالسيوم (الجير الحي) ، الكلور ، اثيلين ... ما يصل إلى 10 مواد يعتبر كافيا]، ثم الآثار البيئية للعمليات الصناعية الكبرى .
قد يكون بين علم و علم آخر مناطق تقاطع ، لذلك ترى الكيميائي التطبيقي لديه اهتمامات مقاربة للكيميائي الصناعي و لكن من زاوية خاصة. يهتم الكيميائي التطبيقي بتوفر المواد الخام و الطاقة اللازمة للإنتاج الصغير أو الكبير أو المتوسط ، ماذا سيفعل بالمنتجات و التفاعلات الجانبية ، تنقية المنتجات ، إيجاد أكثر الطرق فعالية للعمليات ، و الأثر البيئي لهذه العمليات .
تستخدم التقانة (التكنولوجيا) الكيميائية عددا ضئيلا من المواد الخام للحصول على آلاف بل ملايين النواتج . بعض المصادر الهامة هي الحجر الجيري (كربونات الكالسيوم) ، ملح كلوريد الصوديوم ، الكبريت ، الرمل ، خامات الفلزات ، صخور الفوسفات ، البترول ، الفحم الحجري ، الغاز الطبيعي و كذلك الهواء والمـاء .
من عدد النواتج الهائل الذي أمكن الحصول عليه هنالك عدد قليل نال الإنتاج الضخم و هذه المنتجات هي الكيميائيات الطليعية . إنها في الطليعة من حيث الإنتاج لوجود حاجة ماسـة إليها لاستحضار كيميائيات أخرى و مواد عليها طلب واسع مثل اللدائن (البلاستيك) ، الألياف ، الدهانات ، الأدوية ، الأسـمدة ...الخ.
على سبيل المثال ، كانت العشرة كيميائيات الطليعية في العقد الماضي و نصف العقد الحالي هي :
1) حمض الكبريتيك و يستحضر من الكبريت ، الأكسجين (من الهواء) ، والماء في3 خطوات رئيسية . أكبر استعمالات هذا الحمض في صناعة الأسمدة ولكن له تطبيقات في كثير من الصناعات . يقال (مقياس التقدم الصناعي لأي بلد هو بمقدار استهلاكه لحمض الكبريتيك).
2) النيتروجين و يستحضر بتقطير الهواء المسيل على درجات حرارة منخفضة جدا . أكبر استعمالات النيتروجين هي في إنتاج الامونيا (النشادر) و كغطاء خامل في تحضير كيميائيات معينة و الكترونيات .
3) الأكسجين و يستحضر بنفس الطريقة المستعملة للنيتروجين . أكثر من نصف الأكسجين المنتج عالميا يذهب لتصنيع الفولاذ و في عمليات التعدين الأخرى . يقال أن صناعة المصانع أولى من استيراد المصانع ، و هذه الصناعة يلزمها الفولاذ .
4) اثيلين و يستحضر هذا الغاز بالتكسير الحراري أو المحفز للهيدروكربونات الموجودة في جزء النفط (naphtha ) من البترول أو تلك الموجودة في الغاز الطبيعي. إن غالبية اثيلين تذهب لإنتاج اللدائن و خاصة بولي اثيلين .
5) الجير الحي (أكسيد الكالسيوم) ينتج بالتحلل الحراري للحجر الجيري (كربونات الكالسيوم) . أهم استخداماته في تصنيع الفولاذ و تركيب الاسـمنت .
6) أمونيا (نشادر) و يصطنع هذا الغاز من نيتروجين (قادم من الهواء الجوي) و هيدروجين (قادم من معالجة الغاز الطبيعي بالبخار حاليا). أغلب الامونيا يذهب لصناعة الأسمدة ، ولهذا المركب أهمية في تصنيع اللدائن و المتفجرات .
7) حمض الفوسفوريك و يتكون بمعالجة صخور فوسفات الكالسيوم أو فلوروأباتيت بحمض الكبريتيك .
حوالي 95% من هذا الحمض تستعمل في تصنيع الأسمدة .
8) هيدروكسيد الصوديوم (الصودا الكاوية) و ينتج بالتحليل الكهربائي لمحلول كلوريد الصوديوم المائي.
نصف الصودا الكاوية يستعمل في إنتاج كيميائيات ، و يوجد تطبيق مهم لهذه المادة في صناعة الورق .
9) بروبيلين و ينتج هذا الغاز بطريقة مشابهة لتلك الخاصة بغاز اثيلين . أكثر من نصف بروبيلين يذهب لصناعة لدائن وجزء لا بأس به يستعمل في استحضار مذيبات مثل أسيتون .
10) الكلور و ينتج مع الصودا الكاوية في نفس العملية الصناعية . الجزء الأكبر من الكلور يستفاد منه في إنتاج كيميائيات عضوية (هاليدات ألكيل و هاليدات أريل) و مونومرات تلزم لصناعة لدائن مهمة .
حمض الهيدروكلوريك مادة كيميائية هامة (تحتل مركزا بين 25 و 30 في الكيميائيات الطليعية) و يمكن استحضاره بتفاعل هيدروجين مع كلور ثم إذابة غاز كلوريد الهيدروجين في الماء . لكن الأمر المدهش ، أن حوالي 90% من هذا الحمض ، الموجودة في الأسواق، تأتي من تجميع نواتج جانبية لعمليات كيميائية أخرى مثل نزع HCl من 1،2- ثنائي كلوروايثان المقصود منه أساسا الحصول على فاينيل كلوريد H2C=CH-Cl اللازمة لصنع P.V.C .
هيدرازين ، N2H4، يستخدم كوقود للصواريخ و لإنتاج مبيدات حشرية و فطرية . تنتج هذه المادة الهامة بتفاعل الامونيا
مع هايبوكلورايت الصوديوم 2 مول : 1 مول و ينجم عن التفاعل مول واحد من كل من هيدرازين ، كلوريد صوديوم ، و ماء . هذا التفاعل له وجهة ايجابية و وجهة سلبية ، أما الوجهة الايجابية فهي تكوين مادة وسيطة تتفاعل منتجة كلوريد الامونيوم و هذا يقلل من أخطار هيدرازين (سـم زعاف) إذا أخطأت ربة بيت فمزجت امونيا سائلة مع منظف كلوروكس أثناء شـطف البيت . الوجهة السلبية أن إنتاجية أو مردود هيدرازين ينحدر إلى 60- 80 % بسبب هذا التفاعل الجانبي .
للعمليات الصناعية الكبرى ، تخلصوا من التفاعل الجانبي بإجراء التفاعل بين أمونيا و هيبوكلورايت الصوديوم في وسط من أسيتون بدلا من الماء و هكذا وصلت الإنتاجية أو المردود إلى 100 % ! لا تتبنى جميع المصانع تطبيق هذه الطريقة المطورة و بعض المصانع لا تزال متمسكة بالطريقة القديمة .
بشكل عام ، صحيح أن تغييرات تحصل على العمليات الصناعية لإنتاج كيميائيات هامة بين الفينة و الأخرى و لكن هذه التغييرات تحتاج إلى زمن لكون المنشآت الكيميائية الجديدة لا تستبدل القديمة بسرعة لضخامة التكلفة والجهد المطلوب .
جميع فروع الكيمياء التقليدية تهتم بطرق تنقية المواد الكيميائية ، و بما أن الصناعات الكيميائية تتعامل مع كميات كبيرة من المواد لذلك يكون اهتمامها أكبر و يتقارب مع الهندسة الكيميائية . بالنسبة للكيمياء التطبيقية التي تختص بتطبيقات الكيمياء كبيرها و متوسطها و صغيرها ، هنالك معالجة من زوايا معينة مثل زاوية الاشكاليات الناجمة عن تطبيق أي طريقة للتنقية ، و زاوية درجة نقاوة المنتج الكيميائي .
على سبيل المثال :عند استعمال التقطير كطريقة للتنقية فسيكون هنالك استهلاك للطاقة و ضياع جزء من المادة مهما كانت درجة الحرص . التنقية بالتبلور تعطي مردودا يبلغ 90 % في أحسن الأحوال لدى إجراء العملية للمرة الأولى . إذا ما أجريت عملية ترشيح لكميات كبيرة من المادة فإنها سوف تبطئ ثم تتوقف إلا إذا حصلت على العملية تعديلات مناسبة . من أكثر الطرق شيوعا للعمليات الضخمة ، الاستخلاص بالتجزئة بين سوائل لا تذوب في بعضها . طريقة الاستخلاص تعطي مردودا ممتازا بالمقارنة مع الطرق السابقة و لكن استخدام كميات كبيرة من المذيب يحتم إعادة تدوير المذيب . لكن فقدان ما يصل إلى 15 % من المذيب يعتبر أمرا مقبولا و يتم التعويض عن ذلك بجرعة طازجة من المذيب .
درجة نقاوة المنتج الكيميائي النهائي تتعلق بتطبيقه النهائي أو ماذا يراد منه . المادة الكيميائية الطليعية غالبا غير نقية جدا ولكن المادة الكيميائية عالية النقاوة (fine chemical ) تحتاج جهدا إضافيا لتنقيتها (وهذا يعني زيادة في سعرها) لأنها سوف تستعمل لتطبيقات خاصة مثل التحليل الكيميائي الكمي . المادة الكيميائية الدوائية ( pharmaceutical chemical ) هي مادة نقية بحسب الاعتبارات الطبية ، فلو وجدت فيها شائبة لا تتعارض مع العلاج فلا غبار عليها أي يمكن أن لا تكون درجة نقاوتها 100 % .
أغلب الكيميائيات المستعملة في المصانع هي إما أن تكون مواد كيميائية فجـة ( coarse chemicals ) و هي مواد غير نقية و لكنها مناسبة للغرض و رخيصة أو أن تكون مواد كيميائية تقنيـة (technical chemicals ) وهذه مواد نقية بدرجة معقولة أقل نقاوة من الكيميائيات عالية النقاوة و أكثر نقاوة من الكيميائيات الفجـة.
منقول للأمانة